كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثُمَّ ذَكَرَ ابْنُ كَثِيرٍ طُرُقًا أُخْرَى لِأَثَرِ قَبِيصَةَ ثُمَّ نَقَلَ عَنِ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ أَنَّ ابْنَ جَرِيرٍ الْبَجَلِيَّ قَالَ أَصَبْتُ ظَبْيًا وَأَنَا مُحْرِمٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: ائْتِ رَجُلَيْنِ مِنْ إِخْوَانِكَ فَلْيَحْكُمَا عَلَيْكَ، فَأَتَيْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَسَعْدًا فَحَكَمَا عَلِيَّ بِتَيْسٍ أَعْفَرَ، ثُمَّ نَقَلَ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّ رَجُلًا رَمَى ظَبْيًا فَقَتَلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَأَتَى عُمَرَ لِيَحْكُمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: احْكُمْ مَعِي فَحَكَمَا فِيهِ بِجَدْيٍ قَدْ جَمَعَ الْمَاءَ وَالشَّجَرَ ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ: وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ أَحَدَ الْحَكَمَيْنِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللهُ تَعَالَى.
ثُمَّ قَالَ: وَاخْتَلَفُوا هَلْ تُسْتَأْنَفُ الْحُكُومَةُ فِي كُلِّ مَا يُصِيبُهُ الْمُحْرِمُ فَيَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ فِيهِ ذَوَا عَدْلٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَمَ مَنْ قَبْلِهِ الصَّحَابَةُ؟ يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى عَدْلَيْنِ.
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: بَلْ يَجِبُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ فَرْدٍ سَوَاءٌ وُجِدَ لِلصَّحَابَةِ فِي مِثْلِهِ حُكْمٌ أَمْ لَا.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ الْحَنَفِيَّةُ بِتَحْكِيمِ الْعَدْلَيْنِ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ بِالْمِثْلِ الْقِيمَةَ، قَالُوا لِأَنَّ التَّقْوِيمَ هُوَ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى النَّظَرِ وَالِاجْتِهَادِ دُونَ الْمُمَاثَلَةِ، وَالظَّاهِرُ خِلَافُ ذَلِكَ، لِأَنَّ قِيَمَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مِمَّا يَعْرِفُهُ كُلُّ النَّاسِ فِي الْغَالِبِ، وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ فِي دَقَائِقِ الْمُشَابَهَةِ بَيْنَ الْحَيَوَانَاتِ الْوَحْشِيَّةِ عَلَى كَثْرَتِهَا وَاخْتِلَافِ صُوَرِهَا وَطِبَاعِهَا وَبَيْنَ الْأَنْعَامِ عَلَى قِلَّتِهَا وَتَقَارُبِ صِفَاتِهَا، وَمَالَ الْآلُوسِيُّ إِلَى جَعْلِ كُلٍّ مِنَ الْقَوْلَيْنِ مُحْتَاجًا إِلَى هَذَا الِاجْتِهَادِ مِنَ الْحَكَمَيْنِ، جَمْعًا بَيْنَ مَذْهَبِهِ الْأَوَّلِ وَمَذْهَبِهِ الثَّانِي إِذْ كَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ ثُمَّ صَارَ مُفْتِي الْحَنَفِيَّةَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} فَمَعْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ الْجَزَاءَ الْوَاجِبَ عَلَى قَاتِلِ الصَّيْدِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا يَصِلُ إِلَى الْكَعْبَةِ وَيُذْبَحُ هُنَاكَ أَيْ فِي جِوَارِهَا حَيْثُ تُؤَدَّى الْمَنَاسِكُ وَيُفَرَّقُ لَحْمُهُ عَلَى مَسَاكِينَ الْحَرَمِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ السُّورَةِ أَنَّ الْهَدْيَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنَ الْأَنْعَامِ، فَهُوَ يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ كَوْنِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْجَزَاءِ إِنَّمَا تُعْتَبَرُ فِي الصِّفَاتِ وَالْهَيْئَاتِ وَكَلِمَةُ {هَدْيًا} حَالٌ مِنْ {جَزَاءٌ} بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ، أَوْ مِنَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ: {يَحْكُمُ بِهِ} أَوْ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ يَهْدِي هَدْيًا.
{أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ بِإِضَافَةِ {كَفَّارَةُ} إِلَى {طَعَامٍ} أَيْ كَفَّارَةُ طَعَامٍ لَا كَفَّارَةُ هَدْيٍ وَلَا صِيَامٍ، وَالْبَاقُونَ بِتَنْوِينِ {كَفَّارَةٌ}، أَيْ فَعَلَى مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ وَهُوَ مُحْرِمٌ مُتَعَمِّدٌ جَزَاءٌ مِنَ النَّعَمِ مُمَاثِلٌ لَهُ أَوْ كَفَارَّةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ، أَوْ مَا يُعَادِلُ ذَلِكَ الطَّعَامَ مِنَ الصِّيَامِ، وَالْعَدْلُ بِالْفَتْحِ الْمُعَادِلُ لِلشَّيْءِ الْمُسَاوِي لَهُ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْبَصِيرَةِ وَالْعَقْلِ كَالْعَدْلِ فِي الْأَحْكَامِ، وَبِالْكَسْرِ الْمُعَادِلُ وَالْمُسَاوِي مِمَّا يُدْرَكُ بِالْحِسِّ كَالْغِرَارَتَيْنِ مِنَ الْأَحْمَالِ عَلَى جَانِبَيِ الْبَعِيرِ يُسَمَّى كُلٌّ مِنْهَا عِدْلًا، هَذَا مَعْنَى مَا قَالَهُ الرَّاغِبُ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ بِالْكَسْرِ: وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ عَدْلَ الشَّيْءِ مَا عَادَلَهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ وَعِدْلَهُ مَا عَدَلَ بِهِ فِي الْمِقْدَارِ، وَمِنْهُ عِدْلَا الْحِمْلِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا عِدْلٌ بِالْآخَرِ حَتَّى اعْتَدَلَا، كَأَنَّ الْمَفْتُوحَ تَسْمِيَةٌ بِالْمَصْدَرِ، وَالْمَكْسُورِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ بِهِ كَالذَّبْحِ وَنَحْوِهِ، وَنَحْوِهِمَا الْحَمْلُ وَالْحِمْلُ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَرْوِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ.
وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ هِيَ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي فِدْيَةِ الْحَلْقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (2: 196) فَالنُّسُكُ هُنَاكَ بِمَعْنَى الْهَدْيِ هُنَا، وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ بِحَلْقِ رَأْسِهِ لَمَّا آذَتْهُ الْقَمْلُ، وَأَنْ يُطْعِمَ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوْ يَهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» فَعَلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ صِيَامَ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ يَعْدِلُ إِطْعَامَ مِسْكِينَيْنِ، وَأَنَّ إِطْعَامَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ وَصِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ تَعْدِلُ ذَبْحَ شَاةٍ فِي النُّسُكِ، فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِجَعْلِ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُعَادَلَةً لِإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قُلْنَا: إِنَّ الصِّيَامَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ لَمْ يُجْعَلْ مُسَاوِيًا لِلْإِطْعَامِ بَلْ تَخْفِيفًا عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَطَعِ الْإِطْعَامَ وَإِلَّا لَخُيِّرَ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ أَنَّ صِيَامَ شَهْرَيْنِ أَعْظَمُ مِنْ إِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا، إِذْ فُرِضَ الْإِطْعَامُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الصِّيَامَ هِيَ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا التَّخْيِيرِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ جَعَلَ كَفَّارَةَ الْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مُوَافِقٌ لِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ فِي الْمُعَادَلَةِ وَالتَّقْدِيرِ، وَلَكِنَّهُ جَعَلَ الثَّلَاثَةَ هُنَا عَلَى التَّرْتِيبِ لَا التَّخْيِيرِ.
وَكَذَلِكَ قَالَ مُجَاهِدٌ والسُّدِّيُّ بِالتَّرْتِيبِ فِي الثَّلَاثَةِ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ رِوَايَةٌ أُخْرَى بِأَنَّهَا عَلَى التَّخْيِيرِ وَهُوَ يَرْوِيهَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا.
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا قَتَلَ الْمُحْرِمُ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ فَعَلَيْهِ فِيهِ الْجَزَاءُ، فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا أَوْ نَحْوَهُ فَعَلَيْهِ ذَبْحُ شَاةٍ تُذْبَحُ بِمَكَّةَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَإِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، فَإِنْ قَتَلَ ظَبْيًا أَوْ نَحْوَهُ فَعَلَيْهِ بَقَرَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهَا صَامَ عِشْرِينَ يَوْمًا، وَإِنَّ قَتْلَ نَعَامَةٍ أَوْ حِمَارِ وَحْشٍ أَوْ نَحْوَهُ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَطْعَمَ ثَلَاثِينَ مِسْكِينًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَالطَّعَامُ مَدٌّ مَدٌّ يُشْبِعُهُمْ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: إِذَا أَصَابَ الْمُحْرِمُ الصَّيْدَ حُكِمَ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مِنَ النِّعَمِ، فَإِنْ وَجَدَ جَزَاءَهُ ذَبَحَهُ فَتصَدَّقَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَزَاءَهُ قُوِّمَ الْجَزَاءُ دَرَاهِمَ ثُمَّ قُوِّمَتِ الدَّرَاهِمُ حِنْطَةً ثُمَّ صَامَ مَكَانَ كُلِّ صَاعٍ يَوْمًا.
ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَةً أُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ جَزَاءً قُوِّمَ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ طَعَامًا ثُمَّ صَامَ لِكُلِّ صَاعٍ يَوْمَيْنِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ رِوَايَةَ صِيَامِ يَوْمٍ عَنْ كُلِّ صَاعٍ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ يُطْعِمَ كُلَّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ أَيْ مُدَّيْنِ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ تِلْمِيذِهِ مُجَاهِدٍ وَأَنَّ رِوَايَةَ صِيَامِ يَوْمَيْنِ عَنْ كُلِّ صَاعٍ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ يُطْعِمَ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدًّا وَاحِدًا كَمَا سَبَقَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى عَنْهُ.
وَاخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ كُلَّ مِسْكِينٍ يُطْعَمُ مُدًّا، وَعَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْحِجَازِ كَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ يُوجِبُونَ مُدَّيْنِ لِكُلِّ مِسْكِينٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ: مُدٌّ مِنْ حِنْطَةٍ وَمُدَّانِ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَدْ أَطَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَيَانِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ كَفَّارَةِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى، وَتَكَلَّمَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ وَأَثْبَتَ بِدَقَائِقِ الْقِيَاسِ الَّتِي لَا يَغُوصُ عَلَيْهَا إِلَّا مِثْلُهُ أَنَّ صِيَامَ يَوْمٍ يَعْدِلُ طَعَامَ مُدٍّ، وَقَدْ عَقَدَ الرَّبِيعُ بَابًا خَاصًّا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأُمِّ كَمَا أَطَالَ فِي جَمِيعِ فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَقْرُونَةً بِالشَّوَاهِدِ وَالدَّلَائِلِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ التَّقْوِيمَ يَكُونُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الصَّيْدُ، وَقِيلَ: بَلْ يَقُومُ بِمَكَّةَ حَيْثُ تَكُونُ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ الْقَائِلُونَ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ إِلَى أَنَّ الْمُخَيَّرَ بَيْنَهُمَا هُوَ قَاتِلُ الصَّيْدِ، وَقِيلَ: بَلِ التَّخْيِيرُ لِلْحَكَمَيْنِ، وَحَكَى هَذَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَكَانِ الْإِطْعَامِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَكَانُهُ مَكَانُ الْهَدِيِ أَيْ مَكَّةَ لِأَنَّهُ بَدَلُهُ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِيهِ.
{لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} هَذَا تَعْلِيلٌ لِإِيجَابِ الْجَزَاءِ، وَفُسِّرَ الْوَبَالُ بِسُوءِ الْعَاقِبَةِ هُوَ مِنَ الْوَبْلِ وَالْوَابِلُ الَّذِي هُوَ الْمَطَرُ الثَّقِيلُ، قَالَ الرَّاغِبُ: وَلِمُرَاعَاةِ الثِّقَلِ، قِيلَ لِلْأَمْرِ الَّذِي يُخَافُ ضَرَرُهُ وَبَالٌ، وَيُقَالُ: طَعَامٌ وَبِيلٌ، وَالذَّوْقُ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِدْرَاكِ الْعَامِّ، غَيْرُ خَاصٍّ بِإِدْرَاكِ اللِّسَانِ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَهُ الْقُرْآنُ فِي إِدْرَاكِ أَلَمِ الْعَذَابِ وَالْوَبَالِ، وَلَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي إِدْرَاكِ الطُّعُومِ إِلَّا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ} (7: 22) وَفِي قَوْلِهِ: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا} (78: 24، 25) وَكُلُّ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا يُكْرَهُ وَيُذَمُّ، وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْجَزَاءَ وَالْعُقُوبَةَ مِنْ أَثْقَلِ الْأَشْيَاءِ وَأَشَقِّهَا عَلَى النَّاسِ سَوَاءٌ كَانَتْ مَالِيَّةً أَوْ بَدَنِيَّةً.
{عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ} أَيْ لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللهُ تَعَالَى بِمَا سَلَفَ قَبْلَ التَّحْرِيمِ أَوْ قَبْلَ الْجَزَاءِ، وَقِيلَ: عَمَّا سَلَفَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ وَيُطَهِّرُ نَفْسَ صَاحِبِهِ مِنَ الْأَدْرَانِ السَّابِقَةِ، فَلَا يُبْقِي لَهَا أَثَرًا فِي النَّفْسِ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مُؤَاخَذَةٌ.
{وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} أَيْ وَمَنْ عَادَ إِلَى قَتْلِ الصَّيْدِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ وَإِيجَابِ الْجَزَاءِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ أَوْ مَنْ عَادَ إِلَى قَتْلِهِ مَرَّةً ثَانِيَةً بَعْدَ أَنْ كَفَّرَ عَنْهُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى فَإِنَّ اللهَ يَنْتَقِمُ مِنْهُ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَزْجُرْهُ عَنِ الْإِصْرَارِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ {وَاللهُ عَزِيزٌ} أَيْ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ فَلَا يَغْلِبُهُ الْعَاصِي، {ذُو انْتِقَامٍ} مِمَّنْ أَصَرَّ عَلَى الذَّنْبِ، وَالِانْتِقَامُ الْمُبَالَغَةُ فِي الْعُقُوبَةِ، وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ الْجَزَاءَ فِي الدُّنْيَا إِنَّمَا يَمْنَعُ الْعِقَابَ فِي الْآخِرَةِ إِذَا لَمْ يَتَكَرَّرِ الذَّنْبُ، فَإِنْ تَكَرَّرَ اسْتَحَقَّ صَاحِبُهُ الْجَزَاءَ فِي الدُّنْيَا وَالْعِقَابَ فِي الْآخِرَةِ، بِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ، رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ أَنَّ الِانْتِقَامَ هُنَا هُوَ الْكَفَّارَةُ، وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَنْ قَتَلَ شَيْئًا مِنَ الصَّيْدِ خَطَأً وَهُوَ مُحْرِمٌ يُحْكَمُ عَلَيْهِ فِيهِ كُلَّمَا قَتَلَهُ، فَإِنْ قَتَلَ عَمْدًا يُحْكَمُ عَلَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنْ عَادَ يُقَالُ لَهُ: يَنْتَقِمُ اللهُ مِنْكَ، كَمَا قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ لَا تَجْتَمِعُ عَلَيْهِ عُقُوبَتَا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَبِهَذَا قَالَ شُرَيْحٌ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخْعِيُّ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} الْمُرَادُ بِالْبَحْرِ الْمَاءُ الْكَثِيرُ الْمُسْتَبْحِرُ الَّذِي يُوجَدُ فِيهِ السَّمَكُ وَغَيْرُهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمَائِيَّةِ الَّتِي تُصَادُ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْأَنْهَارُ وَالْآبَارُ وَالْبِرَكُ وَنَحْوُهَا، وَصَيْدُ الْبَحْرِ مَا يُصَادُ مِنْهُ مِمَّا يَعِيشُ فِيهِ عَادَةً وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَعِيشَ خَارِجَهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا كَالسَّرَطَانِ وَالسُّلَحْفَاةِ، وَقِيلَ: هُوَ مَا لَا يَعِيشُ إِلَّا فِيهِ، وَطَيْرُ الْمَاءِ لَيْسَ مِنْهُ فِيمَا يَظْهَرُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمَائِيَّةِ، وَإِنَّمَا يُلَازِمُ الْمَاءَ لِصَيْدِ طَعَامِهِ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بَعْدَ بَيَانِ مَعْنَى الْبَحْرِ بِمَعْنَى مَا تَقَدَّمَ: وَمَنْ خُوطِبَ بِإِحْلَالِ صَيْدِ الْبَحْرِ وَطَعَامِهِ عَقَلَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَحَلَّ لَهُ مَا يَعِيشُ فِي الْبَحْرِ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَحَلَّ كُلَّ مَا يَعِيشُ فِي مَائِهِ لِأَنَّ صَيْدَهُ، وَطَعَامَهُ عِنْدَنَا مَا أُلْقِيَ وَطَفَا عَلَيْهِ وَاللهُ أَعْلَمُ، وَلَا أَعْلَمُ الْآيَةَ تَحْتَمِلُ إِلَّا هَذَا الْمَعْنَى، أَوْ يَكُونُ طَعَامُهُ مِنْ دَوَابَّ تَعِيشُ فِيهِ فَتُؤْخَذُ بِالْأَيْدِي مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ كَتَكَلُّفِ صَيْدِهِ فَكَانَ هَذَا دَاخِلًا فِي ظَاهِرِ جُمْلَةِ الْآيَةِ وَاللهُ أَعْلَمُ. اهـ.
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَرَأَ الْآيَةَ وَقَالَ: «مَا لَفَظَهُ مَيِّتًا فَهُوَ طَعَامُهُ» وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ، ورُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَذَكَرَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَهُ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَفِي لَفْظٍ لِابْنِ عَبَّاسٍ مَا قَذَفَ بِهِ مَيِّتًا، وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ: مَا حُسِرَ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ: مَا لَفَظَ الْبَحْرُ فَهُوَ طَعَامُهُ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا، فَهَؤُلَاءِ يَرَوْنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِطَعَامِهِ فِي الْآيَةِ مَا لَا عَمَلَ لِلْإِنْسَانِ وَلَا كُلْفَةَ فِي اصْطِيَادِهِ كَالَّذِي يَطْفُو عَلَى وَجْهِهِ وَالَّذِي يُقْذَفُ بِهِ إِلَى السَّاحِلِ وَالَّذِي يَنْحَسِرُ عَنْهُ الْمَاءُ فِي وَقْتِ الْجَزَاءِ أَوْ لِأَسْبَابٍ أُخْرَى، لَا فَرْقَ بَيْنَ حَيِّهِ وَمَيِّتِهِ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ: صَيْدُ الطَّرِيِّ وَطَعَامُهُ الْمَالِحُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ وَأَخَذَ بِهَذَا بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، وَلَوْلَا هَذِهِ الرِّوَايَاتُ لَكَانَ الْمُتَبَادَرُ مِنَ الْآيَةِ عِنْدِي: أَحَلَّ لَكُمْ أَنْ تَصْطَادُوا مِنَ الْبَحْرِ وَأَنْ تَأْكُلُوا الطَّعَامَ الْمُتَّخَذَ مِنْ حَيَوَانِهِ سَوَاءٌ صِدْتُمُوهُ أَنْتُمْ أَوْ صَادَهُ لَكُمْ غَيْرُكُمْ أَوْ أَلْقَاهُ الْبَحْرُ إِلَيْكُمْ. وَسَوَاءٌ كُنْتُمْ حَلَالًا أَوْ مُحْرِمِينَ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: {مَتَاعًا} فَمَعْنَاهُ لِأَجْلِ تَمَتُّعِكُمْ بِهِ أَوْ مَتَّعَكُمُ اللهُ بِهِ مَتَاعًا حَسَنًا، وَالسَّيَّارَةُ جَمَاعَةُ الْمُسَافِرِينَ وَيَتَزَوَّدُونَ مِنْهُ، فَهُوَ مَتَاعٌ لِلْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ.
{وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} هَذَا أَعَمُّ مِنْ تَحْرِيمِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ أَخْذَهُ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ، وَقِيلَ: يَشْمَلُ أَكْلَهُ وَإِنْ صَادَهُ غَيْرُ الْمُحْرِمِ مُطْلَقًا، وَالتَّحْقِيقُ التَّفْصِيلُ فَمَا صَادَهُ غَيْرُ الْمُحْرِمِ لِأَجْلِ الْمُحْرِمِ أَوْ بِإِعَانَتِهِ أَوْ إِذْنِهِ لَا يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَمَا صَادَهُ غَيْرُ الْمُحْرِمِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَثَلِهِ ثُمَّ أَهْدَى مِنْهُ الْمُحْرِمَ فَهُوَ حِلٌّ لَهُ، وَقَدْ قُلْنَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ إِنَّ هَذَا مَا يَجْمَعُ بِهِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ، وَفِيهِ أَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْكِتَابِ بِأَخْبَارِ الْآحَادِ، وَقَدْ أَجَازَهُ الْجُمْهُورُ وَمَنَعَهُ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ مُطْلَقًا، وَلِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ تَفْصِيلٌ فِيهِ لَا مَحَلَّ لِذِكْرِهِ هُنَا.
رَوَى أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: «كُنْتُ يَوْمًا جَالِسًا مَعَ رِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَنْزِلٍ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَامَنَا وَالْقَوْمُ مُحْرِمُونَ وَأَنَا غَيْرُ مُحْرِمٍ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، فَأَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشِيًّا، وَأَنَا مَشْغُولٌ أَخْصِفُ نَعْلِي، فَلَمْ يُؤْذِنُونِي وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْتُهُ، وَالْتَفَتُّ فَأَبْصَرْتُهُ فَقُمْتُ إِلَى الْفَرَسِ فَأَسْرَجْتُهُ ثُمَّ رَكِبْتُ وَنَسِيتُ السَّوْطَ وَالرُّمْحَ، فَقَالُوا: وَاللهِ لَا نُعِينُكَ عَلَيْهِ، فَغَضِبْتُ فَنَزَلْتُ فَأَخَذْتُهُمَا ثُمَّ رَكِبْتُ فَشَدَدْتُ عَلَى الْحِمَارِ فَعَقَرْتُهُ، ثُمَّ جِئْتُ بِهِ وَقَدْ مَاتَ فَوَقَعُوا فِيهِ يَأْكُلُونَهُ ثُمَّ إِنَّهُمْ شَكُّوا فِي أَكْلِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ حُرُمٌ، فَرُحْنَا وَخَبَأْتُ الْعَضُدَ مَعِي، فَأَدْرَكْنَا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هَلْ مَعَكُمْ مِنْهُ شَيْءٌ؟ فَقُلْتُ نَعَمْ، فَنَاوَلْتُهُ الْعَضُدَ فَأَكَلَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ» وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمْ «هُوَ حَلَالٌ فَكُلُوهُ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ إِنْسَانٌ أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوهُ» وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ «هَلْ أَشَارَ إِلَيْهِ أَحَدٌ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا أَوْ أَشَارَ إِلَيْهَا؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا مَا بَقِيَ مِنْ لَحْمِهَا» وَرِوَايَةُ التَّأْنِيثِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ مَا صَادَهُ أَبُو قَتَادَةَ كَانَ أَتَانًا لَا حِمَارًا، فَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ «فَرَأَيْنَا حُمُرَ وَحْشٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَبُو قَتَادَةَ فَعَقَرَ مِنْهَا أَتَانًا»... إِلَخْ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْوَاقِعَةُ مُتَعَدِّدَةً خَلَطَ الرُّوَاةُ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ.